بتاريخ ديسمبر 2007 و لأول مرة منذ تاريخ 1973 استقبل العقيد معمر القذافي بقصر الاليزيه في زيارة رسمية لمدة سبعة أيام. العقيد معمر القذافي الذي طالما تم اعتباره كزعيم نظام إرهابي يستقبل ا
ليوم من طرف الرئيس ساركوزي في قصر الرئاسة ة قد نصب هذا الأخير خيمته في باحة نزل الماريني. و قد عبر الممثل بالاتحاد الأوروبي ايف كوشنار قائلا :" أن استقبال ساركوزي للعقيد معمر القذافي ليس من قبيل الصدفة و ان استقباله بهذه الحفاوة ينبأ بحدوث مبادلات يد بيد بين الطرفين و التي يمكن أن تكون بخصوص صفقات مشبوهة و لدينا الآن الدليل على ذلك. و من بين هذه الصفقات سيتم تبادل النفط الليبي مقابل الأسلحة أو المفاعلات النووية ".
و قد تراد ساركوزي أن يبيع للقذافي طائرات حربية و مروحيات و طائرات ركاب و حتى مفاعلا نوويا. و بالتالي ستبيع فرنسا ما قدره 10 مليار أورو من الأجهزة فائقة التقنية إلى الدكتاتور الليبي. و في نفس الوقت اكتشفت شركة طوطال الفرنسية مخزونا كبيرا من الغاز في ليبيا. و قد اهتم الصحفي الفرنسي- فابريس أرفي من صحيفة ميديا بارت بهذا الملف و خاصة ملف غاز الجي ان ال الذي تم اكتشافه في ليبيا قائلا :"إن غاز الجي ان ال GNL هو طاقة المستقبل وهو يجلب اهتمام كل شركات الطاقة في العالم بحكم أن البترول في تناقص مستمر و لذ توجب البحث عن مصادر بديلة". و قد تمكنت شركة طوطال عبر قمرها الصناعي و علماء الجيولوجيا من رصد هذا المخزون من الغاز في ليبيا.
و في سنة 2008 بدأت شركة طوطال المفاوضات مع الشركة الوطنية للبترول NOC و يضيف الصحفي الفرنسي- فابريس أرفي:" و قد تابعنا طوال سنتي 2008 و 2009 العلاقة بين البلدين و حيث لم يكن ممكنا إعلان الحرب على القذافي حيث انه كان يدر التعامل معه أموالا طائلة لفرنسا ومن هنا كان من الضروري التفاوض خاصة حول موضوع موقع NC7 ".
موقع NC7 هو موقع لمخزون هائل من الغاز الطبيعي يقع غرب الجمهورية الليبية وهو يحتوي على كمية من الغاز تكفي أوروبا لمدة 30 عاما من الاستهلاك. و أن الدخول في مفاوضات من اجل استغلال هذا الحقل من الغاز التجأت شركة طوطال الى السيد زياد تقي الدين وهو ميلياردير من اصل لبناني و معروف بقربه للعقيد. و قد قال :" في هذه الصفقة كنت اعمل للصالح الليبي و قد حرصت على ان لا يتدخل أي طرف آخر غير طوطال و الشركة الوطنية للبترول لا غير".
و من هنا تبينت نية القذافي منح رخصة الاستغلال للفرنسيين و ليس لأية دولة اخرى. و قد كلف العقيد المسمى زياد تقي الدين بمهمة المفاوضات مع الفرنسيين لان له عديد العلاقات القوية مع سياسيين و من الحكومة الفرنسية و مقربين من نيكولا ساركوزي. و في سنة 2008 تنم منح زياد تقي الدين الضوء الأخضر لبدء المفاوضات مع الفرنسيين بشأن موقع NC7 الذي سيتم منحه لشركة طوطال. و قد قال المسمى زياد تقي الدين :" تم تكليفي بالمفاوضات مع طوطال و لعب دور الوسيط".
و في نهاية سنة 2008 اقترحت شركة North Global Oil & Gas Company و للمسمى زياد تقي الدين على شركة طوطال حقوق استغلال حقل NC7 . و بعد ثلاثة أسابيع أجابت شركة طوطال على اقتراح شركة زياد تقي الدين و أنها مهتمة باستغلال مخزون هذا الحقل. و قد ورد في إجابة شركة طوطال أنها تريد شراء حقوق الاستغلال حقل NC7 مقابل مبلغ 140 مليون دولار.
و لكن في سنة 2009 ظهر أن دولة من دول الخليج تريد أن تبث الفوضى في هذه الصفقة وهي دولة قطر. وهي دولة عقدت صفقات بمليارات الاورو مع فرنسا. و بالإضافة إلى علاقتها الوطيدة مع فرنسا قطر هي ثاني اكبر مخزون من الغز في منطقة الشرق الأوسط و من هنا أبدى الأمير اهتمامه بالغاز الليبي عن طريق شركة طوطال.
و في نهاية سنة 2009 كانت المفاوضات قد اتخذت منحا رسميا بين ليبيا و شركة طوطال و من هنا حاول القطريون التموقع في ليبيا من خلال شراء نسبة من حقوق استغلال حقل NC7 من شركة طوطال. و لكن عندما علم الليبيون بالأمر ثارت ثائرتهم.
زياد تقي الدين:" لقد علم الليبيون بأن القطريين لهم علم بهذه الصفقة وهم يريدون بشدة الدخول فيها فأعلم الليبيون شركة طوطال أن القطريين لن يكون لهم نصيب في هذه الصفقة. و لكن طوطال لم يكن لها من القوة لفرض عدم مشاركة قطر في هذه الصفقة فأعلمت قطر ان العقيد لا يريدهم و لا يريد دخولهم فيها بأي شكل من الأشكال. و لكن الأمير لم يستوعب و لم يقبل أن يتم استبعاده بهذا الشكل.
زياد تقي الدين:" و أمام انسداد الأفق أمام القطريين و استحالة المفاوضات لجئوا إلى اختلاق فكرة الحرب على العقيد و إلى فكرة انه ديكتاتور متناسيا انه هو – الشيخ- أكبر ديكتاتور و على رأس الدكتاتورية في دول الخليج و الذي يعتبره نيكولا ساركوزي عظيما.
و حسب أقوال زياد تقي الدين فان قطر لجأت حتى إلى تحريض فرنسا على إعلان الحرب على ليبيا من اجل استغلال الغاز الليبي فيما بعد. و قد حاولنا الاتصال بسفير قطر في باريس لنستجوبه بهذا الخصوص الا انه رفض استقبالنا.
و قد عبر السيد ميشال كولون وهو صحفي مختص في قضايا الغاز و البترول و قال بان تحريض قطر لفرنسا على شن الحرب على ليبيا أمر منطقي جدا بحكم ان لدى ليبيا مصادر طاقية هامة و من هذا المنطلق فان طريقة الحصول على هذه المصادر الطاقية يسمح فيها بكل الوسائل.
و في سبتمبر 2010 توقفت المفاوضات بين طوطال و ليبيا بخصوص حقوق استغلال حقل NC7 . و من هنا بدأ سيناريو التخطيط للإطاحة بالعقيد من خلال وضع خطة حربية منطقية و مقبولة. و بتاريخ 21 أكتوبر 2010 قدم مسؤول سامي ليبي خلسة إلى و استقر بجناح في نزل كونكورد في باريس وهو نوري مسماري وهو الذراع الأيمن للعقيد معمر القذافي و رئيس البروتوكول الرئاسي.
و قد اهتم لازاري بولاك مساعد رئيس تحرير صحيفة Maghreb confidentiel بهذا الملف و قال بخصوص زيارة نوري مسماري إلى فرنسا:"لقد أتى رسميا من أجل المداواة و لكن السلطات الليبية سرعان ما أصدرت بشأنه بطاقة جلب دولية اذ تبين أن هرب من ليبيا خلسة في ذلك الوقت.
فهل أحس نوري مسماري أن الغرب بصدد التخلي عن القذافي ؟ و فور وصول نوري مسماري إلى فرنسا طلب اللجوء السياسي و من ثمة تولت زيارات الاستخبارات الفرنسية له. و قد أضاف لازاري بولاك مساعد رئيس تحرير صحيفة Maghreb confidentiel بهذا الشأن قائلا:" نحن نعلم جيد انه أعطى عديد المعلومات الواقعية إلى الاستخبارات الفرنسية ساعدت الثوار فيما بعد في مقابل حمايته و حماية عائلته التي التحقت به فيما بعد".
و هنا يتوضح الأمر حيث أن السلطات الفرنسية رفضت تسليم المسماري للسلطات الليبية و قررت حمايته و عدم ترحيله. و بالنسبة الاستخبارات الفرنسية فان الاحتفاظ بهذا الشخص سيقدم معلومات قيمة يمكن الاستفادة منها.
و قد قال السيد ألان جويلي وهو مدير سابق للاستخبارات :" انه لأمر طبيعي أن نستمع لهؤلاء الأشخاص خاصة وأنهم يملكون معلومات مهمة حول العادات و التصرفات و الأماكن التي يرتادها الأشخاص الذين كانوا يعملون معهم وهي معلومات تمكن من تحديد مكان الشخص وبتالي فهي معلومات مهمة جدا للعمليات المستقبلية فاذا قال هذا الشخص مثلا أن فلان يبيت في ذلك المكان هذا يعني انك اذا قمت بقصف ذلك المكان فان هناك فرصة كبيرة للنيل منه".
فهل كانت فرنسا تريد التخلص من القذافي ؟
في شهر نوفمبر 2010 قام موقع جيش الطيران الفرنسي بالإعلان عن تدريب مشترك بين القوات الجوية البريطانية و الفرنسية و تحمل المهمة رمز "مسترال الجنوب 11" Southern Mistral 11 " و فحوى المهمة عملية لقصف بلد افتراضي يحكمه ديكتاتور أو أن هذا الدكتاتور هو بصدد تسليم السلطة لابنه و يكون هذا الدكتاتور مهددا للمصالح الفرنسية. و في هذه الفترة كان العقيد معمر القذافي يستعد لتسليم السلطة لابنه كما أن التاريخ المقرر لهذه المهمة كان من 21 الى 25 مارس 2011 وهي الفترة عينها التي تم فيها قصف ليبيا.
لقد تم التخطيط لهذه الحرب منذ عدة شهور و هذا ما أكده الجنرال فينسون ديسبورتز " لقد كنا نعرف انه سوف يحدث شيئ في ليبيا في تلك الفترة". كما أكد السيد ايف بوني وهو رئيس قسم مكافحة التجسس لدى الاستخبارات الفرنسية و الذي ذهب إلى ليبيا عديد المرات قبل بذا الضربات الجوية أن التدخل الفرنسي كان مبرمجا منذ مدة طويلة و حتى قبل الحصول على إذن الأمم المتحدة في مارس 2011 . و قد قال :" إن ضرب أهداف تمتد على ألاف الكيلومترات من الجو يتطلب شهورا من العمل التحضيري على الميدان و هذا يؤكد انه تم التحضير لهذه الضربات الجوية".
و من هذا المنطلق فان الربيع العربي و الثورة المزعومة هما سبب تدخل قوات التحالف والقادح والغطاء المثالي للضربات الجوية و الحرب المنظمة منذ مدة . و منذ بدأ المظاهرات الأولى في بنغازي في فبراير 2011 أرسلت المخابرات الفرنسية و القطرية عملاء سريين لمساندة الثوار و قد نظمنا حوارا مع احد هؤلاء الذين ساهموا في تحضير الأجواء وهو احد عناصر المخابرات الفرنسية و قد أراد عدم كشف هويته و صرح بالاتي :"لقد ذهبت الى ليبيا قبل أن تبدأ الثورة و المظاهرات".
الصحفي : و عل كانت هناك تدخلات قبل الإذن من الأمم المتحدة ؟
العميل : بطبيعة الحال كانت هناك بعض التدخلات، من أجل تحضير الأجواء و مساعدة السكان على التظاهر
الصحفي : و ماهي هذه التحضيرات ؟
العميل: مثلا قمنا بتدمير دبابات و آليات
المذيع: إذن لقد تم إرسال بعض عناصر الاستخبارات الفرنسية من أجل تحضير الأجواء قبل شهر من تصريح الأمم المتحدة ببدء التدخل.
الصحفي : و هل من المعقول تدخل عناصر الاستخبارات الفرنسية قبل السماح لها من طرف الأمم المتحدة ؟
العميل: لماذا تريد دائما ان يكون هناك تصريح و إذن و أن يكون كل شيء منظما ؟ و هل تظن أن تصريح الأمم المتحدة له أهمية كبرى؟ و من سوف يشتكي فرنسا ؟ لا أحد على الإطلاق. بالإضافة إلى هذا فقد كانت كل الأطراف على علم بهذا في هذه المجالس.
و قد اعتبر ألان شووي وهو مدير في الاستخبارات الفرنسية أن القوات الفرنسية و البريطانية لم يحترموا القانون الدولي مما أثار غصب الروس و الصينيين. إذ لم يمن من الممكن أن تحصل هذه القوات على ترخيص بين يوم و ليلة من الأمم المتحدة من أجل البعث بقوات وأسلحة و لوجستيك حربي إلى ليبيا. لذلك فكروا في أن يطالبوا بهذا الإذن في شكل مهمة إنسانية لإنقاذ المدنيين الليبيين و من ثمة حصلوا على الإذن من الأمم المتحدة .
كما ان هناك بلدا آخر كان قد بعث بقوات خاصة خلسة إلى ليبيا من أجل مساندة الثوار الليبيين وهي دولة قطر التي أبدت اهتمامها بالغاز الليبي مثل فرنسا و خاصة الحقل NC7 .
و أصاف الصحفي الفرنسي- فابريس أرفي من صحيفة ميديا بارت:" ان هناك تقاربا كبيرا بين فرنسا و قطر بخصوص الغاز الليبي و السؤال الذي يطرح نفسه هو : هل أن كلتا الدولتين أعلنتا الحرب على ليبيا من اجل الغاز ؟ وهو السؤال الذي لم يجب عليه احد.
و في بداية سنة 2011 لن يظهر النفط و لا الغاز في الواجهة أو كأسباب للحرب على ليبيا و إنما الأسباب التي استغلتها فرنسا من اجل تشريع الحرب على ليبيا. و في أول شهر مارس ذهبالمفكر الفرنسي برنار أونري ليفي إلى بنغازي و قد عمل ما بوسعه من اجل إقناع الرأي العام بضرورة التدخل المسلح في ليبيا مطالبا باسم الحكومة المؤقتة في بنغازي بتعطيل السلاح الجوي الليبي و بعودته إلى فرنسا زار قصر الاليزيه لكي يلتقي بنيكولا ساركوزي و قد تولى بنفسه اقناع الرئيس الفرنسي بضرورة تنظيم عمليات القصف لإغاثة المدنيين الليبيين.
و قد صرح السيد كرستيان هاربولو مدير معهد الحرب الاقتصادية :" إن استغلال أناس متغطين بثوب الإنسانية لأجل دفع فرنسا لشن حرب على ليبيا يعد توظيف استراتجيا هادفا تحت غطاء المهمات الإنسانية و أنا شخصيا اعتبر انه تم توظيفهم لهذا الغرض ".
و بهد 11 شهرا من الصراع الليبي لم ينفي المفكر الفرنسي برنار أونري ليفي انه قد تم استعماله لهذه الغاية و اعترف بذلك و ذكر في حواره قئلا :" نعم لقد تم استعمالي و قد أردت أن يتم هذا التدخل العسكري في ليبيا بحكم اني كنت ادعوا طوال 40 سنة إلى ان تساند الديمقراطيات كل الحركات التحررية
و لقد تم تضخيم الأضرار التي يمكن أن تحدثها دبابات القذافي في بنغازي لكي يتم السماح باستعمال القوة الخارجية و قد أكد هذا السيد باتريك هايمزداح وهو مؤلف كتاب "في قلب ليبيا القذافي" قائلا أن التقارير الرسمية لجيش الطيران الفرنسي أقرت بأنها قصفت 4 دبابات فان هي الحماية المزعومة؟ وهل أن 4 دبابات تهدد امن مدينة بها 800 ألف ساكن. و من هنا يصعب تصديق أسطورة إنقاذ مدينة بنغازي و أن الهجمات الجوية كانت لأهداف أخرى.
و لكن هذا التهويل كان القادح الأساسي لمباشرة الضربات الجوية مثل منا تم تناقله بالنسبة للعراق عن أسلحة الدمار الشامل التي لم يعثر عليها إلى يوم الناس هذا.
و من ثمة لم يبقى سوى إعلام الرأي العام العالمي . و في يوم 10 مارس 2011 اجتمع الريس الفرنسي بأعضاء المجلس الانتقالي المعارضين للقذافي و اعترف بهم كممثلين شرعيين للشعب اليبي. و يوم 17 مارس 2011 سمح مجلس الأمم المتحدة بالضربات الجوية على ليبيا و يوم 19 مارس ألقى ساركوزي خطابه مدافعا عن شرعية هذه الضربات الجوية و حق الشعب الليبي في تقرير مصيره.
و بعد 15 يوما من شن الهجوم ستتم مكافئة الفرنسيين بمنحهم 35 من البترول الليبي و في الفيلم وثيقة سرية مبرمة بين المجلس الانتقالي الليبي و السلطات الفرنسية و بالتالي تصبح فرنسا المهيمنة الاولى على سوق النفط اليبي بعد كل من ايطاليا 20 ، ألمانيا 15 و اسبانيا 12 و حتى الشركات الوطنية التي ستستغل فقط 18 من البترول الليبي الخام.
لعبة قذرة
ترجمة الأستاذ فهري الجويني
ترجمة لمقتطفات من سلسلة الأفلام الوثائقية: تحقيقات خاصة
لصاحبه باتريك شارل ميسنس PATRIC CHARLES MESSANCE
وهو من انتاج تي في براس و كنال بلوس CANAL +
العنوان: الحروب الخفية Guerressecrètes
المصدر صفحة الحوار السياسي الليبي